الطريق إلى المستقبل الأخضر - مقال لمعالي الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي

الطريق إلى المستقبل الأخضر – مقال لمعالي الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي

الطريق نحو مستقبل خالٍ من الانبعاثات الكربونية مليء بالخيارات، لكن الحكمة تكمن في اختيار المسار الصحيح. وكما قالت عالمة الأنثروبولوجيا الثقافية الأمريكية مارغريت ميد: لا تشك أبدًا في أن مجموعة صغيرة من المواطنين المفكرين الملتزمين يمكن أن تغيّر العالم، في الواقع، هذا هو الشيء الوحيد الذي غيّره.


في عصر التوسع الحضري السريع وتفاقم تغيّر المناخ، بدأ الوعي البيئي من المبادرات الفردية، ثم تحوّل إلى قضية عالمية تهدف إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة وتحسين الصحة العامة وجودة الحياة. وتشير الدراسات إلى أن أكثر من 70% من الانبعاثات العالمية تنشأ من المدن، ما يجعل التحول الحضري ضرورة ملحّة لبناء فضاءات أكثر قدرة على مواجهة التغير المناخي

النقل المستدام لم يعد خيارًا

لقد أدركت الدول أن النقل المستدام والتنقل الذكي لم يعد خياراً بل ضرورة، فبدأت بالاستثمار في أنظمة أكثر نظافة وأمانًا وذكاءً. ومن خلال إعطاء الأولوية للإنسان على المركبة، يعزز النظام البيئي النمو الشامل ويعمل نحو مستقبل أكثر خضرة، وهو ما يتطلب إعادة تفكير جريئة في تصاميم المدن.

الحوكمة الذكية أساس التحول

إن الحوكمة الفعّالة تضمن تنفيذ المبادرات على مختلف المستويات، من خلال إشراك المجتمع، ومعالجة الاحتياجات المحلية، وبناء الثقة العامة. وقد أظهرت بيانات عام 2024 أن أكثر من 60% من البلديات في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) تستخدم أدوات رقمية لإشراك المواطنين في التخطيط الحضري، ما يعزز الشفافية والمساءلة ويجعل الخدمات العامة أكثر كفاءة.

السرعة والكفاءة في النقل العام

وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، شكّل قطاع النقل في عامي 2023 و2024 نحو ربع الانبعاثات الكربونية العالمية وأكثر من 65% من استهلاك النفط. لذلك، يبقى توسيع شبكات النقل العام في المدن الكبرى من أكثر الحلول فعالية لتقليل الازدحام والتلوث والاعتماد على المركبات الخاصة. فالتحول من السيارة إلى القطار يمكن أن يقلل الانبعاثات بنسبة تصل إلى 80%.


وقد اعتمدت عدة مدن حول العالم مسارات النقل السريع بالحافلات (BRT) التي تضاهي خدمات المترو في السرعة والكفاءة، فيما لجأت مناطق أخرى إلى أساطيل كاملة من الحافلات الكهربائية. ففي أمريكا اللاتينية وحدها، تم تشغيل أكثر من 2500 حافلة كهربائية بحلول عام 2024

مدن تتمحور حول الإنسان

إن إنشاء مدن صديقة للمشاة والدراجات يمثل ركيزة أساسية للاستدامة. ففي كوبنهاغن بالدنمارك، حيث تتوفر أكثر من 390 كم من المسارات المخصصة، يستخدم 62% من السكان الدراجات يومياً للتنقل. كما أن الأحياء القابلة للمشي يمكن أن تقلل رحلات السيارات بنسبة تصل إلى 40%.

حلول ذات أثر كبير

مع كون النقل أحد أكبر مصادر الانبعاثات، يصبح التحول إلى الوقود منخفض الكربون والتنقل الكهربائي أمراً حتمياً. وقد بلغت مبيعات السيارات الكهربائية في عام 2024 نحو 17.1 مليون وحدة، أي ما يمثل 22% من إجمالي السيارات الجديدة. كما أن إنشاء مناطق منخفضة الانبعاثات في أكثر من 250 مدينة أوروبية أدى إلى تحسين جودة الهواء بنسبة وصلت إلى 40%.
وفي لندن وسنغافورة، ساهم فرض رسوم الازدحام على المركبات في تقليل حجم المرور بنسبة 30% وزيادة استخدام الحافلات بنسبة 12%.

أجندة COP30 والحياد الكربوني

إن هذه الاستراتيجيات المتنوعة، من النقل العام إلى المدن الصديقة للمشاة والدراجات، ومن المركبات الكهربائية إلى الحوكمة الرقمية، تتماشى مع أجندة مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30) الذي يعقد في مدينة بيليم بولاية بارا البرازيلية من 10 إلى 21 نوفمبر الحالي، ولمدة 11 يوماً حيث يضع الحياد الكربوني (Net Zero) في صميم أهدافه، إضافة إلى الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5  درجة مئويةوتعزيز النقل المستدام كأداة رئيسية لتقليل الانبعاثات.
الاستثمار في البنية التحتية الذكية والرقمية لضمان الشفافية والمشاركة المجتمعية.
دعم التحول إلى الطاقة المتجددة والوقود النظيف.
بناء مدن تتمحور حول الإنسان وتحقق التوازن بين البيئة والاقتصاد.

وكما قالت جنيفر نيني، رئيسة تحرير Eco Warrior Princess: لسنا فوق الطبيعة، نحن جزء منها، فإن رؤية COP30 تؤكد أن مستقبلنا يعتمد على الانسجام مع الطبيعة، لا السيطرة عليها. وينتظر أن تقدم الدول خلال المؤتمر، تحديثات لخططها الوطنية، وتناقش قضايا التمويل المناخي، والتكيف، وحماية النظم البيئية.

5 Views
Scroll to top
Close
Browse Categories
Browse Tags