القطاع الثالث والبحث العلمي - كيف تقدم المنظمات غير الربحية المعرفة والابتكار

القطاع الثالث ودوره في تنمية البحث العلمي

شهد العالم بعد الحرب العالمية الثانية تحوّلًا جذريًا في نظرة الدول إلى البحث العلمي، إذ أدركت أن التنمية الشاملة لا تقوم إلا على قاعدة من المعرفة. في تلك الفترة برز البروفيسور فانيفار بوش، الذي صاغ مصطلح «البحث والتطوير» (R&D)، مُعبّرًا به عن العلاقة التكاملية بين المعرفة العلمية والتطبيق العملي. ومنذ ذلك الحين، أصبح البحث العلمي عنصرًا أساسيًا في بناء الأمم الحديثة.

ورغم شيوع الفكرة القائلة إن البحث العلمي يدور في مثلث الصناعة، والأكاديمية، والحكومة، إلا أن الواقع أوسع من ذلك بكثير، إذ لا يمكن حصر البحث العلمي في هذا الإطار فقط، لأن هناك شريكًا آخر لا يقل أهمية، وهو القطاع الثالث، الذي يضم الجمعيات، والتعاونيات، والمؤسسات غير الربحية التي تسهم في دعم مسيرة التنمية العلمية والمجتمعية على حدّ سواء.

في ثمانينيات القرن الماضي، ازدهرت فكرة الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)، مما فتح المجال أمام ظهور دور فاعل للقطاع الثالث كجسر يربط الجامعات بالقطاعين الصناعي والحكومي. ومع تطور هذه المنظومة، أصبح القطاع الثالث محفزًا رئيسيًا للبحث العلمي ومساهمًا في تمويله ونشر نتائجه، سواء من خلال الرعايات أو عبر إنشاء مؤسسات علمية متخصصة.

لكن يبقى السؤال الأهم: لماذا نبحث؟

من أجمل الإجابات التي يمكن أن تُقدَّم هي أن البحث العلمي وُجد لتحسين جودة الحياة، ولتحقيق انسجام بين مكونات المجتمع نحو أثر مجتمعي ملموس. ومن هنا تأتي أهمية القطاع الثالث، الذي يسعى لترجمة الجهود العلمية إلى مشاريع نافعة ومبادرات مستدامة تخدم الإنسان قبل كل شيء.

في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتجلى هذا الدور بشكل واضح، فقد أسهمت الجمعيات والمراكز المجتمعية في سد العديد من الفجوات البحثية، مثل تأسيس مركز باحثي الإمارات الذي يركز على دعم العلماء والباحثين وإصدار المجلات المحكمة التي حصلت على فهرسات عالمية مثل سكوبس. ويُذكر بفخر أن المجلة العلمية الإماراتية المحكمة في الهندسة المدنية كانت من أوائل المبادرات في هذا المجال، والتي أتشرف برئاستها.

كما نجحت هذه الجمعيات في تنظيم مؤتمرات محلية ودولية بالتعاون مع كبرى الجامعات مثل الجامعة الأمريكية في الشارقة، بالإضافة إلى فعاليات ذات طابع إنساني واجتماعي مثل المؤتمر العالمي للتسامح ومؤتمرات التوحد، التي تبرز تفاعل البحث العلمي مع قضايا المجتمع.

وتتويجًا لرؤية القيادة الرشيدة، صدر في عام 2024 قرار وزارة تنمية المجتمع رقم 165، القاضي بإشهار جمعية الباحثين، وهي أول جمعية متخصصة في دعم الباحثين في مختلف المجالات. وقد كان مركز باحثي الإمارات من أوائل المؤسسات التي سارعت إلى التعاون والتنسيق مع مختلف القطاعات، تعزيزًا لتكامل الجهود نحو تنمية منظومة البحث العلمي الوطني.

اليوم، يُعد مركز باحثي الإمارات المنصة الأولى والأكثر فاعلية ضمن القطاع الثالث في دعم البحث العلمي، رغم حداثة تأسيسه، إذ أثبت قدرته على الجمع بين الحضور الأكاديمي والتأثير المجتمعي، واضعًا نصب عينيه هدفًا أسمى: أن يكون البحث العلمي في خدمة الإنسان والوطن.

Prof. Ghanim Kashwani

PhD CEng FICE

8 Views
Scroll to top
Close
Browse Categories
Browse Tags