مدن المستقبل بين الاستباقية والاستدامة – بقلم سعادة الشيخ الدكتور عمار بن ناصر المعلا

لقد تعودنا في دولة الإمارات، بقيادة سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، “حفظه الله”، أن ننظر إلى المستقبل كواقع نصنعه بأيدينا. ومن هذا المنطلق، فإن مدننا لا تُبنى لتواكب الحاضر فقط، بل لتكون استباقية في تخطيطها، مستدامة في تنميتها، نابضة بالحياة في حاضرها ومستقبلها.
لقد شدّ انتباهي المقال الثري الذي كتبه معالي الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي، والذي حمل عنوان «حان الوقت لبناء مدن استباقية». وما جاء فيه ليس مجرد رؤية فكرية، بل دعوة عملية للمضي قدمًا في مسيرة عمرانية وإنسانية تستبق المستقبل وتحتوي تحدياته. لقد عبّر معاليه عن جوهر الفلسفة التي عُرفت بها دولة الإمارات، وهي أن القيادة الحقيقية لا تنتظر التوافق بل تصنعه، ولا تكتفي بالمسايرة بل تصوغ المبادرة.
إن التجربة الإماراتية منذ بداياتها قامت على هذا النهج، حيث دمجت بين العمارة والبيئة، بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على الموارد، وبين طموح الإنسان وحق الأجيال القادمة، فمن خططها الحضرية الطموحة، إلى مدنها المستدامة ومشاريعها الذكية، أثبتت الدولة أنها تسابق الزمن، وتبني بوعي، وتستثمر في المستقبل.
لقد علّمنا الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أن الأرض أمانة، وأن التنمية الحقيقية هي التي تحافظ على التوازن بين الإنسان والطبيعة. ومن هنا انطلقت مشاريع الإمارات التي نراها اليوم: مدن خضراء، شبكات مواصلات حديثة تقلل من الانبعاثات، استثمارات واسعة في الطاقة المتجددة، وبرامج مجتمعية تعزز الوعي البيئي وتجعل الاستدامة جزءًا من ثقافة الحياة اليومية.
إن المدن الاستباقية تقاس بقدرتها على أن تكون مرنة، متكيفة، قادرة على الاستجابة للتغيرات المناخية، ومستعدة لمتطلبات الاقتصاد الجديد. وهذا ما جسدته مبادرات الإمارات، من «المدينة المستدامة» في دبي، إلى «مصدر» في أبوظبي، إلى مجمعات الطاقة الشمسية والرياح التي جعلت من الدولة مختبراً حياً لمستقبل المدن النظيفة.
إن إشراك المجتمع في هذه المسيرة أمر أساسي. فالمدينة التي تستبق المستقبل هي المدينة التي تجعل الإنسان شريكًا لا متلقيًا، مشاركًا في القرار لا مجرد مستخدم للخدمات. وهذا ما أشار إليه معالي الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي، حين أكد أن إشراك المواطنين في التخطيط يعزز الانتماء والمسؤولية، ويدفع الأفراد إلى تبني أسلوب حياة مستدام يتماشى مع تطلعات الوطن.
وهنا أؤكد أن ما طرحه معاليه يعكس بصدق ما نعيشه في الإمارات: فالمشاريع الكبرى لم تكن لتنجح لولا أن المجتمع كله أصبح جزءًا منها، من الأسر التي تشارك في برامج إعادة التدوير، إلى الشباب الذين يقودون الابتكار الأخضر، إلى المؤسسات التي تستثمر في التكنولوجيا من أجل بيئة أنظف واقتصاد أكثر استدامة.
ختامًا، فإن كلمة معالي الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي جاءت في وقتها، لتؤكد أن بناء المدن الاستباقية ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية. ونحن في الإمارات عازمون على أن نظل في طليعة الدول التي تستبق التحديات، وتحوّل الاستدامة إلى واقع معاش، والابتكار إلى ممارسة يومية، والإنسان إلى قلب كل مدينة ومستقبلها.
الشيخ الدكتور عمار بن ناصر المعلا
عضو مجلس الأمناء
اقرأ: سعادة الدكتور عبد الله بلحيف النعيمي الدكتور عبد الله بلحيف النعيمي: حان الوقت لبناء مدن استباقية.