التنمية الحضرية المستدامة وانتكاسات جدول أعمال 2030

من الطموح إلى التكيّف: معوقات أجندة 2030 – مقالة لمعالي الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي

مع اقتراب العالم من محطة عام 2030 الخاصة بأهداف التنمية المستدامة (SDGs) التي وضعتها الأمم المتحدة عام 2015، يتكاثف المشهد حول التخطيط الحضري العالمي. للأسف، ليس للاحتفال، بل للمراجعة، حيث إن 16% فقط من الأهداف تسير على المسار الصحيح حتى الآن.

إن الرؤية التي تعتبر المدن محركات للتحول المستدام تكافح تحت وطأة الضغوط الاقتصادية، والانقسام الاجتماعي، والاضطراب البيئي. فالاستدامة الحضرية في الممارسة العملية تتطلب توازنًا شاملاً: سكنًا ملائمًا، تنقلاً عادلاً، مرونة مناخية، وحوكمة شاملة. إلا أن هذه الركائز اليوم تُظهر تصدعات واضحة.

لمحة عن الانقطاع

في حين أن اتساع فجوة عدم المساواة يعمّق الهوة بين الحياة الحضرية الرسمية وغير الرسمية، فإن صدمات المناخ – من الفيضانات إلى حرائق الغابات – تتجاوز سرعة تجديد البنية التحتية. بالإضافة إلى ذلك، تركت الهشاشة المالية بعد الجائحة البلديات منهكة إلى حد كبير، مما أدى إلى تعثر التحولات الطاقية واستكمال الاقتصادات الدائرية.

تكشف هذه التحديات ليس فقط عن إخفاقات السياسات، بل عن الحاجة لإعادة تصور كيفية تشكيل المدن ولمن يتم تشكيلها. ومن هنا، تبرز الحاجة الملحة إلى تغييرات منهجية وتعاون عالمي.

وقد رسم تقرير شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة (SDSN) صورة قاتمة للتقدم، محذرًا من أن نهج “الأعمال كالمعتاد” لن يكون كافيًا، وأن الوضع يتطلب إعادة صياغة كبرى.

لفهم الاستدامة الحضرية

لتحقيق مدن حضرية أكثر استدامة، فإن الجانب الأساسي هو فهم كيفية عملها. يجب النظر إليها كبنية تتبادل الطاقة والمواد مع البيئة التي تدعمها. فهي تحتاج إلى إعادة تصميم شاملة، وإدارة فعّالة للموارد، ورصد مستمر لتقييم النتائج، نظرًا لكثرة التحديات.

ثغرات في التخطيط الحضري

المرونة التفاعلية: ما زالت المدن تخطط استنادًا إلى كوارث الماضي، دون أن تضع في اعتبارها صدمات المستقبل. ولهذا السبب، فإن البنية التحتية الخضراء، وتحديث أنظمة التخطيط العمراني، والتكيف المناخي، لا تزال مطبقة بشكل غير متكافئ وتعاني من نقص التمويل.

العدالة والمشاركة: الفئات المهمشة تفتقر إلى التمثيل في اتخاذ القرار الحضري، مما يجعل أهداف العدالة الاجتماعية بعيدة المنال وسط وتيرة التطوير السريع.

تكنولوجيا بلا إنسانية: رغم وفرة أدوات المدن الذكية، إلا أن فجوة البيانات وضعف الثقافة الرقمية يحدان من الاستفادة منها. وهنا يحين الوقت لإدراك أن الاستدامة تحتاج إلى أكثر من مجرد أجهزة استشعار؛ إنها تحتاج إلى تعاطف.

التحديث البيئي: غالبًا ما يتعارض الحفاظ على التراث الثقافي مع الكفاءة البيئية. وبالتالي، يجب على المخططين إيجاد طرق تكرّم التاريخ مع تصميم حلول لبقاء الكوكب.

استشراف الأمم المتحدة

باعتبارها مراكز للإنتاج والاستهلاك، يجب أن تكون لدى المدن استراتيجيات لإدارة احتياجاتها من الموارد وتأثيراتها البيئية. ولهذا السبب بالضبط، أدرجت الأمم المتحدة المدن والمجتمعات ضمن أهداف التنمية المستدامة في أجندة 2030.

وعند التركيز على الأنظمة الحضرية المستدامة وإدارة الأصول، ينبغي تذكر توفر وجودة الموارد داخل النظام الحضري. ويشمل ذلك إمدادات الغذاء، وجودة الهواء والماء، والسكن، والنقل، والصحة. أما الموارد خارج النظام فتشمل الإنتاج الزراعي والصناعي، وإدارة النفايات، والنظم البيئية.

وفي أثناء تحديد الفرص، تكشف العوامل أيضًا عن قيود في التنفيذ. ورغم تعقيد مسار الاستدامة، إلا أنه يجب علينا بناء مدن آمنة وصديقة للبيئة. تبدأ الرحلة بالقرارات الواعية والإجراءات المستمرة.

القضايا الملحّة

التلوث: تؤدي وتيرة التوسع الحضري السريع إلى زيادة التلوث الناتج عن مصادر متعددة مثل المركبات والصناعات والنفايات. ويشمل ذلك تلوث الهواء والماء، مما يؤثر على الصحة العامة والبيئة.

استنزاف الموارد: تستهلك المناطق الحضرية موارد هائلة مثل المياه والطاقة والأراضي، مما يؤدي إلى نضوب الموارد الطبيعية والمساهمة في تغير المناخ.

ظاهرة الجزيرة الحرارية الحضرية: تؤدي زيادة البناء وتقليص المساحات الخضراء إلى جعل المدن أكثر حرارة وزيادة الطلب على الطاقة.

إدارة النفايات: يمثل التعامل مع الكميات الكبيرة من النفايات الحضرية تحديًا رئيسيًا، مع ضعف البنية التحتية وانتشار المواد البلاستيكية أحادية الاستخدام مما يزيد المشكلة.

ندرة المياه: يضغط التوسع الحضري السريع على موارد المياه، مما يؤدي إلى نقصها وسوء إدارتها.

عدم المساواة الاجتماعية: غالبًا ما تشهد المناطق الحضرية تباينات كبيرة في الحصول على الموارد والخدمات والفرص.

نقص السكن الميسور التكلفة: ارتفاع تكاليف السكن يجعل من الصعب على ذوي الدخل المنخفض إيجاد مساكن مناسبة.

البنية التحتية غير الكافية: ضعف وصيانة البنية التحتية، بما في ذلك النقل والصرف الصحي والرعاية الصحية، يؤثر على جودة حياة السكان.

الجوانب المالية: تمنع أعباء الديون وتكاليف الاقتراض الباهظة البلدان النامية من الاستجابة للتحديات المتعددة التي تواجهها. كما أن ارتفاع تكاليف المعيشة عالميًا يؤثر على مليارات البشر ويبطئ التقدم في التعليم وأهداف التنمية الأخرى.

ما بعد 2030

بينما نرصد المشهد الحالي، يدعو الخبراء عبر التخصصات إلى التحول نحو النظر إلى المستقبل كخط نهاية، وليس مجرد قصة مستمرة. فهم يطالبون بعدسات متكاملة توحّد بين البيئة والتاريخ والعدالة المكانية، بالإضافة إلى نماذج حوكمة مرنة أمام حالة عدم اليقين لكنها راسخة في الأخلاق. وهناك أيضًا حاجة إلى مرونة يقودها المجتمع، متشابكة مع نظم المعرفة المحلية، تنظر إلى المدن ليس فقط كأماكن بل كحكايات متحركة.

إن الوعود غير المنجزة لأجندة 2030 لا تعني فشلها، بل تكشف عن عيوبها. فلنتصور الاستدامة الحضرية كفنّ، لا يتشكل فقط عبر المقاييس والمواعيد النهائية، بل عبر التعاطف والإبداع والذاكرة المشتركة.

وكما يُقال: “لكي تعود، لا بد أن تتعرض لانتكاسة”. فكل خيبة أمل تعلمنا كيف نكون أكثر مرونة، وتمنحنا معنى أعمق للتحديات.

اقرأ: مدن المستقبل بين الاستباقية والاستدامة – لسعادة الشيخ الدكتور عمار بن ناصر المعلا.

25 Views
Scroll to top
Close
Browse Categories
Browse Tags