الإمارات تخطو نحو مستقبل أكثر اخضرارًا – مقالة لمعالي الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي

«القائد الحقيقي لا يبحث عن التوافق، بل يصنعه»، كما عبّر مارتن لوثر كينغ الابن، الناشط الحقوقي والمفكر السياسي الأمريكي. تنطبق هذه المقولة على دولة الإمارات العربية المتحدة، التي برزت كقائد عالمي في مجال التنمية الحضرية المستدامة، واتخذت خطوات ملموسة نحو إنشاء مدن صديقة للبيئة ونابضة بالحياة الاقتصادية، تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على عيش حياة كريمة.
تتمثل الأجندة في الاستخدام الفعّال للأراضي، ودمج المساحات الخضراء، وتعزيز وسائل النقل العام، والتركيز على العمارة الموفّرة للطاقة، والحفاظ على التنوع البيولوجي. ومن خلال تنظيم حملات التوعية والبرامج التعليمية، تشجع الدولة الأفراد والمجتمعات على تبني سلوكيات مسؤولة. ونظراً لأن إشراك أفراد المجتمع يكشف عن احتياجات وأولويات محلية قد يغفل عنها المخططون وصناع السياسات، فإن خطة دبي الحضرية 2040 تؤكد أهمية التعاون مع المواطنين في عملية التخطيط. إن تمكين الناس من التعبير عن آرائهم في القضايا الحضرية يلهمهم لتبنّي أنماط حياة مستدامة تتماشى مع أهداف المجتمع. وتُعد «المدينة المستدامة» في دبي نموذجاً يُحتذى به، حيث تشرك السكان في عمليات اتخاذ القرار، مما يعزز شعورهم بالملكية والمسؤولية الجماعية تجاه أسلوب الحياة المستدام.
وقبل أن تدرك الدول الأخرى ذلك، كانت الإمارات سبّاقة في تبنّي مبدأ التنمية متعددة الاستخدامات كركيزة أساسية للتخطيط الحضري المستدام. ويهدف هذا النهج إلى دمج المناطق السكنية والتجارية والترفيهية في محيط واحد، مما يقلل الاعتماد على وسائل النقل ويخلق بيئات صديقة للإنسان تشجّع على المشي وركوب الدراجات.
وقد لعبت التكنولوجيا دوراً محورياً في هذا التحول؛ إذ غيّرت ابتكارات المدن الذكية طريقة تصميم وإدارة المشهد الحضري، وأصبحت تقنيات مثل إنترنت الأشياء (IoT) الذكاء الاصطناعي (AI) أدوات لا غنى عنها. وقد غيّرت مبادرة «دبي الذكية» وجه المدينة، مع التركيز على تقليل استهلاك الطاقة والانبعاثات الكربونية. وتضمن التصاميم المعمارية الإبداعية الإضاءة الطبيعية والتهوية المثلى، واستخدام الموارد المتجددة والمواد المعاد تدويرها والخشب المستدام والأسطح الخضراء.
وتُعد مدينة «مصدر» في أبوظبي معياراً عالمياً، كونها أول مدينة محايدة كربونياً في العالم. وقد صُمّمت لتشجيع الحركة سيراً على الأقدام، مما قلل الحاجة إلى المركبات وخفّض الانبعاثات. وتعرض المدينة تقنيات مبتكرة تشمل أنظمة إعادة تدوير المياه، وإدارة النفايات، ومصادر الطاقة المتجددة.
وتم تبنّي مشاريع طموحة في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة. يشمل برنامج الرياح في دولة الإمارات مزارع رياح في ثلاث مواقع بأبوظبي: جزيرة صير بني ياس، جزيرة دلما، ومنطقة السلع، بالإضافة إلى موقع في الحلاة، الفجيرة. وبالمثل، يُعد مجمّع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي من أكبر مشاريع الطاقة المتجددة في العالم، ويهدف إلى توليد 5000 ميغاواط من الطاقة النظيفة بحلول عام 2030. لأول مرة، طوّرت الإمارات طاقة الرياح على نطاق المرافق العامة، وهو ما لم يكن ممكنًا سابقًا بسبب انخفاض سرعة الرياح. ويسهم هذا الإنجاز في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ويعزز مزيجاً مستداماً من مصادر الطاقة.
وعزّزت الإمارات الحاجة إلى المركبات الكهربائية (EVs) للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة (GHGs) وتقليل الاعتماد على الوقود التقليدي. وأطلقت دبي مبادرة «الشاحن الأخضر للمركبات الكهربائية»، التي أنشأت شبكة من محطات الشحن في أنحاء المدينة لتسهيل الانتقال إلى وسائل النقل النظيفة. ولتقليل الاعتماد على السيارات، استثمرت الدولة في شبكات المترو والترام، ما أدى إلى انخفاض ملحوظ في الازدحام المروري وتلوث الهواء.
ومن خلال تنفيذ برامج إعادة التدوير ومبادرات التسميد، ترفع حملة «مدينتي، بيئتي» في دبي الوعي بهذه القضايا، بينما يشجّع برنامج تدوير في أبوظبي المواطنين على فرز النفايات وإعادة تدويرها. وبالمثل، تستخدم محطة تحويل النفايات إلى طاقة في الشارقة تقنيات متقدمة لتقليل النفايات المرسلة إلى المكبّات وتوليد الكهرباء.
ولمواجهة التحديات، استثمرت الدولة في تقنيات التحلية المتقدمة. تستخدم محطة جبل علي لتحلية المياه التابعة لهيئة كهرباء ومياه دبي تقنية التناضح العكسي، التي تقلل من استهلاك الطاقة وتحد من الأثر البيئي لإنتاج المياه. ويتضمن برنامج «استدامة» التابع لمجموعة أبوظبي للاستدامة تقنيات الري بالتنقيط لتقليل هدر المياه ودعم الزراعة. ومع التركيز على ممارسات البناء الأخضر، تُعد شهادة الريادة في الطاقة والتصميم البيئي (LEED) هدفاً رئيسياً في تشييد المباني المستدامة في الإمارات.
ولتحقيق التوازن بين التنمية الحضرية والطبيعة، دعت رؤية أبوظبي 2030 إلى إدراج النباتات المحلية والتنوع البيولوجي المحلي لدعم البيئة والمساهمة في الحفاظ على التراث الثقافي. وتعد محمية الأراضي الرطبة في الوثبة مثالاً على الالتزام بالحفاظ على المواطن الطبيعية وتعزيز السياحة البيئية. كما يتميز مشروع البراري في دبي بمساحات خضراء واسعة وحدائق نباتية، مما يوفر بيئة معيشية هادئة ومستدامة.
وتدرك الإمارات الطابع العالمي لتحديات الاستدامة، وتشارك في التعاونات والشراكات الدولية. ويتعاون مركز دبي للكربون مع منظمات دولية وجامعات ومؤسسات بحثية لتبادل المعرفة والممارسات من أجل نمو مستدام، مما يعكس التزام الدولة بالمسؤولية البيئية المشتركة. ويُمكن للعالم أن يستلهم من نهج الإمارات المستقبلي، الذي يُعد مصدر إلهام للدول الساعية إلى بناء مدن مستدامة.
كما يُقال: «كل ما يستطيع العالم فعله، تستطيع الإمارات فعله بشكل أفضل».
اقرأ ايضًا: معالي الدكتور عبد الله بلحيف النعيمي – حان الوقت لبناء مدن استباقية.