When Sustainability Shapes Healthcare & Mental Well-Being | H.E. Dr. Abdulla Belhaif

عندما تصبح الاستدامة جوهر الرعاية الصحية والنفسية – بقلم معالي الدكتور عبدالله بلحيف

في عالم تتسارع فيه التحديات الصحية والنفسية، لم يعد كافياً أن نُعالج الأعراض أو نُرمم ما انكسر، بل بات لزامًا علينا أن نعيد تعريف مفهوم «الشفاء» ليكون أكثر شمولًا، وأكثر إنسانية، وأكثر ارتباطاً بجوهر التنمية المستدامة.
من هذا المنطلق، جاء المنتدى الدولي الثاني للطب النفسي وإعادة التأهيل، الذي استضافته أبوظبي، ليكون منصة فكرية وعملية تربط بين الرعاية الصحية وأهداف التنمية المستدامة، لم يكن مجرد مؤتمر طبي، بل دعوة صريحة لإعادة النظر في كيفية بناء أنظمة صحية تُعالج الإنسان ككل: جسدًا، وعقلًا، وروحًا.


لقد أكَّدت في كلمتي الافتتاحية أن السبيل الأمثل للرقي بالخدمات المقدمة لا يكمن فقط في تطوير الأدوات أو توسيع البنية التحتية، بل في التأكد من أن كل خطوة نخطوها تحافظ على جوهر أهداف الاستدامة. فحين نُعزز الصحة النفسية، نحن نُحقق الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة: «الصحة الجيدة والرفاه». وحين نُصمم برامج إعادة تأهيل شاملة تراعي الفئات الأكثر هشاشة، فإننا نُسهم في تقليص الفجوات وتحقيق الهدف العاشر: (الحد من أوجه عدم المساواة).


وتُظهر بيانات منظمة الصحة العالمية لعام 2025 أن أكثر من مليار شخص حول العالم يعيشون مع اضطرابات نفسية، مثل القلق والاكتئاب، ما يجعلها ثاني أكبر سبب للإعاقة طويلة الأمد عالمياً، كما أن واحداً من كل 100 وفاة يُعزى إلى الانتحار، في حين تُقدّر الخسائر الاقتصادية الناتجة عن هذه الاضطرابات بما يزيد على تريليون دولار سنوياً بسبب انخفاض الإنتاجية.


لكن الأهم من ذلك، أن هذا المنتدى جسّد الهدف السابع عشر: (عقد الشراكات لتحقيق الأهداف)، فقد جمع أكثر من 800 مشارك من 35 دولة، وممثلين عن مؤسسات طبية ونفسية وأكاديمية من مختلف القارات، في مشهد يعكس كيف يمكن للتعاون الدولي أن يتحول إلى أداة للشفاء الجماعي، كما أن اللقاءات الأوروبية الشرق أوسطية كثيرًا ما تسفر في التأسيس لمشاريع مستقبليه تسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى الحد من الهوّة بين الشمال والجنوب العالمي.


وفي هذا السياق، تُعد دولة الإمارات نموذجًا متقدمًا في بناء بنية تحتية صحية ونفسية متكاملة. ففي عام 2025، حصلت مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية على اعتماد دولي من لجنة اعتماد مرافق إعادة التأهيل (CARF)، لتصبح أكبر جهة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث عدد منشآت إعادة التأهيل المعتمدة دفعة واحدة، وذلك عبر شبكة تضم 16 منشأة صحية دولية متخصصة، كما أُطلقت 15 عيادة تخصصية للصحة النفسية موزعة على 6 إمارات، ضمن مبادرة وطنية وعالمية تهدف إلى تعزيز جودة الحياة النفسية وتوسيع نطاق الخدمات المتخصصة.


هذه الإنجازات لا تُعبّر فقط عن التقدم المؤسسي، بل تُجسد التزام الدولة بأهداف التنمية المستدامة، وتحديدًا الهدف الثالث (الصحة الجيدة والرفاه) والهدف العاشر (الحد من أوجه عدم المساواة)، وهي خطوات عملية تُترجم الرؤية الوطنية إلى واقع ملموس، وتُعزز من مكانة الإمارات كمركز إقليمي للتميز في الرعاية النفسية والتأهيلية.
إننا بحاجة إلى أن نُعيد تأطير الصحة النفسية وإعادة التأهيل كجزء لا يتجزأ من السياسات التنموية، لا كخدمات تكميلية أو لاحقة. فالمجتمعات التي تُهمل الصحة النفسية، تُقوّض قدرتها على الصمود، وتُضعف نسيجها الاجتماعي، وتُهدد استقرارها الاقتصادي.
لقد آن الأوان لأن نُعامل الصحة النفسية كحق، لا كوصمة، وأن نُدرج إعادة التأهيل ضمن منظومة التخطيط الحضري، والتعليم، والعمل، والتكنولوجيا. فالرعاية المستدامة لا تُبنى في العيادات فقط، بل في السياسات، وفي البيوت، وفي المدارس، وفي كل مساحة تُعنى بالإنسان.
أبوظبي، برؤيتها المتقدمة وبمؤسساتها المعنية بالشأن الاجتماعي وقطاعاتها الخاصة، لم تكن مجرد مضيفة لهذا المنتدى، بل شريكة في صياغة خطاب عالمي جديد: خطاب يرى في الشفاء مسارًا نحو التنمية، وفي التنمية وسيلة لصون كرامة الإنسان.

اقرأ ايضًا: Emirates Scholar joined Geo-Governance Summit Middle East 2025

2 Views
Scroll to top
Close
Browse Categories
Browse Tags