الإمارات العربية المتحدة: ثلاث مراحل لبناء الوطن ـ مقالة لمعالي الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي.
منذ تأسيسها، انتهجت دولة الإمارات العربية المتحدة مسارًا فريدًا في بناء الإنسان والمكان. فلم يكن تطوير المجتمع مجرد سياسة حكومية، بل كان ولا يزال مشروعًا وطنيًا متكاملًا، يتجدّد عبر الأجيال، ومتجذّرًا في الوعي الجمعي، ومسترشدًا بقيادة استثنائية.
ومن خلال ثلاث مراحل محورية، يمكن فهم مسيرة تطور الدولة منذ نشأتها وحتى بروزها كقوة عالمية، مدعومة بإحصاءات تعكس حجم إنجازاتها، وتأملات تُبرز البعد الإنساني لتقدّمها. كما تُعدّ هذه التجربة نموذجًا اتحاديًا استثنائيًا، إذ سعت الإمارة الأغنى بالنفط إلى بناء تجربة وطنية موحّدة لا تشبه أيًّا من نظيراتها الإقليمية.
مرحلة التأسيس (1971–1980):
الاتحاد وبناء الهوية
في الثاني من ديسمبر عام 1971، تأسس الاتحاد بانضمام سبع إمارات تحت قيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وإخوانه الحكّام. شكّل هذا الحدث انطلاقة دولة جُعل الإنسان فيها أولوية مركزية وركيزة أساسية. ولم يكن الاتحاد مجرد اتفاق سياسي، بل وعدًا بمستقبل مشترك وخطوة نحو دولة حديثة تقوم على العدل والتضامن والانتماء.
وخلال هذه المرحلة، بدأت الدولة في إرساء أولى خدماتها العامة الأساسية، رغم محدودية الموارد آنذاك:
المدارس الحكومية: ارتفع عددها من أقل من 20 مدرسة قبل الاتحاد إلى أكثر من 140 مدرسة بحلول عام 1980، موزّعة على مختلف الإمارات.
المستشفيات والمراكز الصحية: تم إنشاء 15 مستشفى و43 مركزًا صحيًا لتقديم الرعاية الصحية الأولية للمواطنين.
شبكات الطرق: شُيّد أكثر من 1,200 كيلومتر من الطرق المعبّدة، ربطت المدن الكبرى بالمناطق النائية.
الهيئات الحكومية: أُنشئت الوزارات الاتحادية للتربية والتعليم، والصحة، والأشغال العامة، والإعلام، لتشكّل نواة الإدارة الحديثة.
الموارد البشرية: بحلول عام 1976، لم يكن في الدولة سوى نحو 300 طبيب، ونحو 70 عضو هيئة تدريس عند افتتاح جامعة الإمارات العربية المتحدة.
لم يمثّل الاتحاد إنجازًا سياسيًا فحسب، بل كان وعدًا مشتركًا لكل مواطن ومقيم. وتميّزت هذه المرحلة ببناء الهوية الوطنية، وترسيخ قيم المواطنة، والانفتاح على العالم دون المساس بالهوية الثقافية والدينية.
مرحلة التنمية (1980-2000):
البنية التحتية والمؤسسات
مع توسّع الموارد الوطنية، شرعت الدولة في بناء منظومة متكاملة من البنية التحتية والمؤسسات الحكومية والتعليمية والصحية. نمت المدن، وارتفعت الطموحات، وبدأ اقتصاد متنوّع بالتشكّل، مدفوعًا برؤية استراتيجية تركّز على تمكين الإنسان وتعزيز كفاءة المؤسسات.
المدارس: تجاوز عددها 1,000 مدرسة بحلول عام 2000، مع إدخال مناهج حديثة وتقنيات تعليمية متطورة.
الجامعات: تأسست مؤسسات وطنية مثل جامعة الإمارات العربية المتحدة (1976)، وجامعة الشارقة (1997)، وجامعة زايد (1998) كمراكز للعلم والبحث.
المستشفيات: ارتفع عددها إلى 65 مستشفى، إضافة إلى 150 مركزًا صحيًا، مع إدخال تخصصات طبية متقدمة.
المطارات والموانئ: شهدت أبوظبي ودبي توسعات كبيرة، وتحوّل ميناء جبل علي إلى أحد أكبر الموانئ في العالم.
الطرق السريعة: تجاوز طول شبكة الطرق 7,000 كيلومتر، رابطًا المناطق البعيدة بالمراكز الحضرية.
الهيئات المتخصصة: أُنشئت مؤسسات مثل هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا)، وهيئة البيئة – أبوظبي، وهيئة النقل، لتعزيز الاستدامة وجودة الخدمات العامة.
وشهدت هذه المرحلة تحوّلًا نوعيًا في مفهوم الخدمة العامة، إذ انتقلت الدولة من تلبية الاحتياجات الأساسية إلى بناء مؤسسات عالية الكفاءة قادرة على مواكبة التطورات الإقليمية والعالمية. وتضاعف عدد الأطباء ليصل إلى 5,000، وبلغ عدد المهندسين 10,000، وخدم أكثر من 2,000 أستاذ في الجامعات المختلفة.
مرحلة التحول (من عام 2000 إلى الوقت الحاضر): الابتكار والريادة العالمية
تعيش دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم مرحلة تحوّل كبرى، لتغدو نموذجًا عالميًا في الابتكار والاستدامة والتنمية الشاملة.
المدارس الذكية: تحوّل أكثر من 90% من المدارس الحكومية إلى أنظمة تعليم ذكية تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلّم التفاعلي.
المستشفيات الرقمية: تم اعتماد أنظمة المستشفيات عن بُعد في أكثر من 70 منشأة صحية، متكاملة مع منصّات الرعاية الوطنية.





