Dr. Abdulla Belhaif on Urban Sustainability Education Gap

الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي: معالجة غياب التعليم المناخي في التخطيط الحضري

يعاني قطاع التخطيط الحضري المستدام من نقص واضح في التعليم، ما يعيق التنمية الفاعلة والعادلة. يظهر هذا النقص في عدة صور، من بينها ضعف تدريب المخططين، والفجوة بين البحث والتطبيق، وانخفاض الوعي العام، إلى جانب التحديات التي تواجهها الدول النامية.

معالجة هذه الثغرات أمر بالغ الأهمية لبناء مدن مستدامة ومرنة وشاملة. وكما قال العالم ألبرت أينشتاين: “لا يمكن حل مشكلات اليوم بذات التفكير الذي أوجدها”، فإن التحدي الرئيسي في القرن الحادي والعشرين يرتبط بالحاجة إلى التركيز على الأبعاد الاجتماعية والثقافية للبنية التحتية، ودمج التصميم مع أهداف الاستدامة.

في ظل توقع تضاعف مساحة الأراضي الحضرية ثلاث مرات بحلول عام 2030، وانضمام أكثر من مليار نسمة إلى سكان المدن، لا بد أن يتحول التخطيط الحضري من استجابة سلبية إلى قوة استباقية. فالمدن قد تتحول إلى بؤر لعدم المساواة، والتدهور البيئي، والانهيار المنهجي ما لم يُعالج هذا النقص.

يعاني المخططون الحضريون في كثير من الأحيان من نقص في المعرفة المتخصصة والمهارات اللازمة لمواجهة التحديات المعقدة للتنمية المستدامة، مما يخلق مقاومة للتغيير ويعيق تنفيذ الحلول طويلة الأجل. وتشير الدراسات إلى أن أكثر من 60٪ من المشاريع الحضرية تواجه مخاطر تؤثر على نموها واستدامتها، نتيجة لتقلبات اقتصادية، أو تحديات اجتماعية، أو ضعف في دمج الأنظمة المختلفة.

لا تهمّشوا الدول النامية


في العديد من الدول النامية، يعيش أكثر من 40٪ من السكان الحضريين في مستوطنات عشوائية، ما يصعّب التخطيط لمدن مرنة في وجه التحديات. وتزداد أهمية التركيز على هذه الدول في ظل النمو الحضري السريع ونقص الموارد، إلى جانب تجاهل تأثيرات مثل التغير الديموغرافي أو الحاجة للبنى التحتية المستدامة.

لذلك، من الضروري إشراك المجتمعات المحلية في عمليات التصميم والتنفيذ لضمان تبني حلول مستدامة تناسب السياق الاجتماعي والثقافي لكل منطقة.

تُعد أهداف التنمية المستدامة (SDGs) بالغة الأهمية للدول النامية، لأنها تستهدف الأسباب الجذرية للفقر والتفاوت والتدهور البيئي. ومن خلال مواءمة الخطط الوطنية مع هذه الأهداف، يمكن للدول حشد الدعم الدولي وتحقيق مستقبل أكثر عدالة واستقرارًا. لكن تطبيقها يتطلب موارد مالية وتكنولوجية هائلة، وهي تحديات يجب التعامل معها فورًا.

أهمية التعليم المناخي


التباين الكبير بين المعرفة الأكاديمية والممارسات الفعلية في التخطيط الحضري المستدام يُضعف النظام بأكمله. فالعديد من البرامج التعليمية والمهنية لا تزال تفتقر إلى التخصص أو الشمولية، مما يؤدي إلى نتائج عكسية مثل تفاقم التلوث، واستنزاف الموارد، واتساع الفجوة الاجتماعية.

ورغم وجود بعض الجامعات التي تقدم مقررات في التنمية المستدامة، إلا أن دمج مبادئ التخطيط الحضري في المناهج التعليمية ما زال محدودًا، مما يعرقل الابتكار ويمنع المجتمعات الهامشية من الوصول إلى الحلول.

لذا، فإن الاستثمار في تدريب المتخصصين وتوعية الجمهور، وتعزيز التعاون بين التخصصات الأكاديمية والمهنية، يمكن أن يسهم في اتخاذ قرارات أكثر فاعلية وتحويل الأبحاث إلى حلول تطبيقية.

أظهرت مراجعة أدبية حديثة أن أقل من 20٪ من الأبحاث المنشورة في مجال التخطيط الحضري تدمج الاستدامة، والتخطيط الاستراتيجي، ومفاهيم المدن الذكية في نقاش موحّد. كما أن ثلاثة فقط من أصل 10 مناطق عالمية تعتمد هذه المبادئ في خططها العمرانية. هذا التفتت في الرؤى يحد من انتشار المبادرات الناجحة ويمنع اعتماد نهج تخطيطي عالمي وموحد.

مناهج دراسية في أزمة


تشير الملاحظات إلى أن أقل من 15٪ من برامج الدراسات العليا في التخطيط الحضري تقدم تخصصات أو مسارات واضحة في الاستدامة، وغالبًا ما تُعتبر الاستدامة موضوعًا ثانويًا لا محورًا أساسيًا.

ومع أن جامعة السوربون في أبوظبي تقدم برنامج ماجستير في التخطيط الحضري والتنمية يركّز على الاستدامة، إلا أن هذه البرامج نادرة وتتنافس عليها أعداد كبيرة من الطلبة. كما تقدم جامعة برمنغهام في دبي ماجستير في “تحليلات المدن والذكاء الاصطناعي” يدمج بين علوم البيانات والاستدامة.

في المقابل، تكتفي العديد من الجامعات بدورات قصيرة أو مواد اختيارية تفتقر للعمق المطلوب لتأهيل الطلبة لمواجهة تحديات الواقع.

نحتاج اليوم إلى تشجيع التخصصات البينية التي تدمج علوم البيئة، والسياسات الحضرية، والتحليل الاجتماعي والاقتصادي، إذ لا تتجاوز نسبة الأبحاث التي تجمع هذه التخصصات 25٪ فقط. كما يجب تطوير مناهج شاملة، وتوسيع برامج الدراسات العليا في هذه المجالات.

لردم الفجوة بين التعليم والممارسة، من الضروري إنشاء مراكز ابتكار حضري تربط بين الطلبة والباحثين وصناع القرار. ويجب أن تتبنى هذه المراكز حلولًا مدروسة مثل توزيع الغطاء النباتي في المدن للحد من ظاهرة الجزر الحرارية، وهي ظاهرة تؤدي لخسائر اقتصادية كبيرة كما بيّنت دراسات الاستشعار عن بعد.

وبوصفي معنيًا بمستقبل التعليم الحضري، أعتزم تطوير برنامج أكاديمي لطلبة الدراسات العليا في الجامعة الأمريكية في الشارقة، التي تتميز بمبادراتها الفعالة في دمج الاستدامة الحضرية ضمن برامجها ومشاريعها البحثية.

أؤمن أن التخطيط الحضري المستدام يجب ألا يكون خيارًا لاحقًا، بل أولوية قصوى في تشكيل مدن المستقبل. وكما قال الكاتب الأسترالي هيو وايت: “الأخطاء دروس في الحكمة، الماضي لا يمكن تغييره، أما المستقبل فهو بين يديك”. لذا فإن وجود خطة جيدة هو خريطتنا للوصول إليه.

28 Views
Scroll to top
Close
Browse Categories
Browse Tags