من التلوث إلى الانقراض: كيف يمكن للبلاستيك أن يمحو مستقبل الأرض

قد يتذكر كثيرون منّا أمهاتهم وهنّ يحملن سلالًا أو أكياسًا قماشية عند التسوق. إلا أنه، ومنذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، غزت الأكياس البلاستيكية الأسواق الأوروبية، وسرعان ما أصبحت منتشرة عالميًا، بعد أن روجت الشركات المنتجة لها بأنها خيار أفضل من الورق أو الأكياس القابلة لإعادة الاستخدام.
البلاستيك مادة شديدة المتانة ولا تتحلل بسهولة، ما يعني أنها تبقى في البيئة لقرون، وتتراكم في مكبات النفايات والموائل الطبيعية.
وقد عبّرت آني ليونارد، المديرة التنفيذية لمنظمة غرينبيس في الولايات المتحدة، عن هذا بقولها: “لا يوجد شيء اسمه (إلقاء النفايات بعيدًا)، فعندما نرمي شيئًا، فإنّه يذهب إلى مكان ما”.
فإلى أين يذهب البلاستيك؟
الجواب هو: “كل البلاستيك الذي تم إنتاجه على مر التاريخ وانتهى به المطاف في البيئة، لا يزال موجودًا هناك بأحد أشكاله”.
لقد أصبح التلوث البلاستيكي واسع الانتشار – من أعماق المحيطات إلى القمم الجليدية القطبية، ومن قمة جبل إيفرست إلى مصارف المياه في الأحياء السكنية. وقد أدى استخدام البلاستيك في التغليف والمنتجات اليومية إلى تدهور بيئي خطير ومخاوف صحية لجميع الكائنات الحية.
ناقوس الخطر
رغم بدء المعارضة لاستخدام البلاستيك أحادي الاستخدام في الثمانينيات، فإن اكتشاف “دوامة نفايات المحيط الهادئ” عام 1997 شكّل نقطة تحوّل في نظرة العالم للبلاستيك.
مع تحلل المواد البلاستيكية الكبيرة إلى جزيئات صغيرة، انتشرت الميكروبلاستيك في الأنهار والمحيطات وحتى الهواء الذي نتنفسه.
وأُدرك حينها أن النفايات البلاستيكية التي تنتهي في البحار تُشكّل خطرًا بالغًا على الحياة البحرية، إذ تظن السلاحف والطيور والأسماك أن البلاستيك طعام، فتبتلعه، ما يسبب له اختناقات قاتلة أو اضطرابات صحية. وتدخل الجزيئات البلاستيكية السلسلة الغذائية، ما قد يؤثر لاحقًا على صحة الإنسان.
إلى جانب ذلك، تتسرب المواد الكيميائية الضارة من البلاستيك إلى التربة والمياه الجوفية، مما يضر بالنباتات والحيوانات ويقلّل التنوع البيولوجي. كما أن إنتاجه وحرقه يساهمان في انبعاث غازات الدفيئة، مما يفاقم التغير المناخي.
ويتسبب احتراق البلاستيك في إطلاق غازات سامة مثل الديوكسينات والفورانات، ما يؤدي إلى أمراض تنفسية ومشاكل في القلب. كما تُعدّ النفايات البلاستيكية المتراكمة بيئة خصبة للبعوض والحشرات، ما يزيد من خطر الأمراض الوبائية.
وكشفت دراسات حديثة وجود ميكروبلاستيك في أنسجة جسم الإنسان، بما في ذلك الرئتين والكبد ومجرى الدم، ما يثير مخاوف جدّية حول تأثيراتها طويلة الأمد.
نماذج رائدة
كانت رواندا أول دولة تُعلن نفسها “خالية من البلاستيك” عام 2008، حيث طبقت حظرًا صارمًا على الأكياس البلاستيكية وعاقبت المخالفين.
أما بنغلادش، فقد حظرت الأكياس البلاستيكية الرقيقة عام 2002، بعدما تبين دورها الكبير في انسداد شبكات الصرف خلال فيضانات كارثية.
وفي عام 2018، أعلنت الأمم المتحدة أن 127 دولة من أصل 192 قد أصدرت تشريعات وطنية للحد من استخدام البلاستيك. واستضافت الهند آنذاك يوم البيئة العالمي تحت شعار #BeatPlasticPollution، مما حفّز الحكومات على اتخاذ إجراءات عملية.
مؤخرًا، أعلنت دولة الإمارات حظرًا كاملًا على الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام، ووسّعت نطاق الحظر ليشمل منتجات مثل عبوات الفوم، والأكواب البلاستيكية، والملاعق والمصّاصات والعيدان القطنية.
وتُعد ولاية سيكيم في الهند مثالًا ناجحًا، كما أصبحت شركة “دابر” أول شركة هندية تحقق “الحياد البلاستيكي”، أي أنها تعيد تدوير كمية من البلاستيك تعادل ما تستخدمه في التغليف.
أرقام مقلقة
ارتفع إنتاج النفايات الصلبة من 25 مليار طن عام 1990 إلى 86 مليار طن عام 2020، ومن المتوقع أن يصل إلى 140 مليار طن عام 2050. ويُلاحظ أن هذا النمو يفوق معدلات النمو السكاني، ويعكس نظامًا استهلاكيًا يقوم على الاستخدام السريع والأثر البيئي الطويل.
رغم أن نصف البلاستيك المنتج مخصص للاستخدام مرة واحدة فقط، فإن نسبة إعادة التدوير لا تتعدى 14%، منها 2% فقط يعاد استخدامها بشكل فعّال، بينما يتم تقليل قيمة معظم النفايات أو التخلص منها في المحيط أو مكبات النفايات.
ويرى الخبراء أن التركيز يجب أن يكون على الحد من النفايات من المصدر، بدلًا من معالجتها بعد تراكمها.
استراتيجيات الحد من البلاستيك
- تقليل استخدام البلاستيك أحادي الاستخدام.
- اعتماد البدائل القابلة لإعادة الاستخدام مثل الأكياس القماشية والمصاصات المعدنية.
- إعادة تدوير العبوات وتحويلها إلى أدوات مفيدة.
- دعم صناعة البلاستيك القابل للتحلل والمواد البديلة.
- الفرز والتدوير المنزلي للنفايات البلاستيكية.
- تعزيز ثقافة “الاقتصاد الدائري” بحيث يُعاد استخدام المنتجات.
- تنظيم حملات تنظيف وتوعية مجتمعية.
- تثقيف الأفراد حول مخاطر البلاستيك وفوائد إعادة التدوير.
من خلال هذه الخطوات، يمكن الحد من الأضرار البيئية والصحية للتلوث البلاستيكي وبناء مستقبل أكثر استدامة.
كما قالت الكاتبة والناشطة البيئية روز سافاج:
“لا يمكن أن يكون من الصواب تصنيع مليارات المنتجات التي تُستخدم لدقائق فقط، ثم تبقى معنا لقرون.”
ولهذا، فإن القضاء على البلاستيك لم يعد خيارًا، بل ضرورة ملحّة لإنقاذ كوكب الأرض.