Sustainable Mobility: Building Greener Cities for a Net-Zero Future

الطريق نحو مستقبل خالٍ من الانبعاثات الصفرية مليء بالخيارات.. والحكمة تكمن في اختيار الطريق الصحيح

قالت عالمة الأنثروبولوجيا الثقافية الأمريكية والكاتبة مارجريت ميد: “لا تشك أبدًا في أن مجموعة صغيرة من المواطنين المفكرين الملتزمين يمكن أن تغيّر العالم؛ ففي الحقيقة، هم الوحيدون الذين قاموا بذلك على مر التاريخ.”

تُجسد هذه المقولة واقعنا اليوم. ففي عصر يشهد تسارعًا في وتيرة التحضّر وتفاقم آثار التغير المناخي، بدأ الوعي البيئي من مبادرات فردية لأشخاص قرروا العمل ووضع استراتيجيات لإعادة تشكيل مستقبل التنقل. وسرعان ما تحوّل الأمر إلى قضية عالمية، هدفها خفض انبعاثات غازات الدفيئة، وتحسين الصحة العامة وجودة الحياة. وتظهر النتائج أن المدن تخوض تحوّلاً شاملاً نحو بناء فضاءات حضرية أكثر مرونة واستدامة. حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 70% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية تنبع من المناطق الحضرية، ما يؤكد ضرورة التحول الحضري العاجل.

أدركت الدول أن النقل المستدام لم يعد خيارًا بل ضرورة ملحّة، فبدأت بالاستثمار في أنظمة أكثر نظافة وأمانًا وذكاءً، تركّز على الإنسان قبل السيارة، وتعمل على تحقيق نمو شامل يقود إلى مستقبل أكثر خضرة. غير أن هذه الخطوة تتطلب إعادة تفكير جذرية في تصميم المدن.

العمود الفقري للتنمية المستدامة متعدّد الأبعاد، يجمع بين الحوكمة، والتكنولوجيا، والبنية التحتية، والتصميم، ومصادر الطاقة المتجددة، وجميعها عناصر لا غنى عنها لتحقيق الأثر. وكما يُقال: الاستدامة ليست فقط إلى أين نذهب، بل كيف نصل.

التخطيط الذكي

تضمن الحوكمة الفعالة تطبيق المبادرات على مختلف المستويات، مع إشراك أصوات المجتمع وتلبية احتياجاته، وبناء الثقة العامة. الهدف هو الموازنة بين حماية البيئة وتحقيق الازدهار الاقتصادي. وتشمل التحديات الأساسية إصلاح السياسات، وضمان ميزانيات مستدامة، وحماية البيانات والخصوصية.

ولهذا، ينبغي أن تتاح للمواطنين عبر بوابات رقمية فرصة التفاعل مع الحكومات وتقديم آرائهم. فالشفافية والمساءلة تعني أن تكون المعلومات متاحة للجميع، وأن يخضع المسؤولون للمحاسبة. وقد أظهرت تقارير 2024 أن أكثر من 60% من البلديات في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) تستخدم أدوات رقمية لإشراك المواطنين في التخطيط الحضري.

السرعة والكفاءة

وفقًا للوكالة الدولية للطاقة، شكّل قطاع النقل في عامي 2023–2024 نحو ربع الانبعاثات الكربونية العالمية، وأكثر من 65% من استهلاك النفط، و27% من إجمالي استهلاك الطاقة. وكانت المركبات البرية مسؤولة عن ثلاثة أرباع هذه الانبعاثات، تشمل السيارات والحافلات والشاحنات.

لذلك، يُعد توسيع نطاق النقل العام في المدن الكبرى أحد أكثر الحلول فعالية للحد من الازدحام والتلوث والاعتماد على المركبات الخاصة. فالنقل العام يطلق انبعاثات أقل بكثير لكل راكب مقارنة بالسيارات الخاصة، ويُعد وسيلة لربط المجتمعات ودعم الفئات منخفضة الدخل بفضل تكلفته المنخفضة. وتشير الدراسات إلى أن الانتقال من استخدام السيارة إلى القطار قد يقلل الانبعاثات بنسبة تصل إلى 80%.

شهدت العديد من المدن إدخال أنظمة الحافلات السريعة (BRT) التي تضاهي خدمات المترو من حيث السرعة والكفاءة، كما اعتمدت بعض المناطق بالكامل على أساطيل حافلات كهربائية. وفي أمريكا اللاتينية وحدها، تم تشغيل أكثر من 2500 حافلة كهربائية بحلول عام 2024.

كل استراتيجية تصنع فرقًا

المدن المستدامة ليست فقط عن النقل العام، بل أيضًا عن تعزيز المشي وركوب الدراجات. فتصميم شوارع آمنة ومظللة، ومسارات مخصّصة للدراجات، يُشجّع السكان على اتباع أنماط حياة صحية، ويدعم الاقتصادات المحلية، ويخفض الانبعاثات.

تشير الأرقام إلى أن الاستثمار في ممرات الدراجات يؤدي إلى زيادة نسبة استخدامها بما يتراوح بين 20% و50% خلال السنة الأولى. وفي كوبنهاغن بالدنمارك، حيث يوجد أكثر من 390 كم من المسارات المخصّصة، يستخدم 62% من السكان الدراجات يوميًا للتنقل.

كما أن الأحياء القابلة للمشي يمكن أن تقلل من رحلات السيارات بما يصل إلى 40%. وتؤكد الدراسات أن الأرصفة الواسعة، والإنارة الجيدة، والمساحات الخضراء، والفنون العامة، تعزز من متعة المشي وتخلق بيئة حضرية نابضة بالحياة.

حلول كبرى للأثر الأكبر

مع كون النقل أحد أكبر مصادر الانبعاثات، فإن التحول إلى الوقود منخفض الكربون والمركبات الكهربائية أصبح أمرًا حتميًا. فقد شهد عام 2024 ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية عالميًا إلى 17.1 مليون سيارة، بنسبة 22% من إجمالي المبيعات الجديدة. وفي الصين وحدها، شكّلت السيارات الكهربائية نحو 50% من المبيعات.

كما أدخلت مدن أوروبية مناطق منخفضة الانبعاثات، ما أدى إلى تحسين جودة الهواء بنسبة وصلت إلى 40% في بعض المناطق. وفي لندن وسنغافورة، ساهم فرض رسوم الازدحام على المركبات في تقليل حركة المرور بنسبة 30% وزيادة استخدام الحافلات بنسبة 12%.

الخاتمة

بينما نسير نحو مستقبل خالٍ من الانبعاثات، يجب أن يكون هدفنا الأول تنمية المجتمعات وتعزيز انسجامها مع البيئة. وكما قالت جينيفر نيني، رئيسة تحرير Eco Warrior Princess: “لسنا فوق الطبيعة… بل نحن جزء منها.”

فالطريق إلى الحياد الكربوني لا يقوم فقط على التكنولوجيا، بل على إرادة المجتمعات وقدرتها على رسم مستقبل متوازن بين الإنسان والطبيعة.

اقرأ: المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة  وباحثي الإمارات يستقبلان شخصيات هندية بارزة لتعزيز التعاون الأكاديمي والحوار الدولي.

4 Views
Scroll to top
Close
Browse Categories
Browse Tags