التسارع في تبني الطاقة النظيفة بلا عودة – بقلم معالي الدكتور عبد الله بلحيف النعيمي

الأمر التنفيذي لرئيس الولايات المتحدة بالانسحاب من اتفاقية باريس يرفض التقليل من الحماس للتخفيف من تغير المناخ، يتم اتخاذ خطوات كبيرة على مستوى العالم لمكافحة تغير المناخ، مع التركيز على تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول منتصف القرن.

هناك اهتمام متزايد بمصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلى جانب فرض لوائح أكثر صرامة على انبعاثات الغازات الدفيئة (GHGs) وإصلاحات دعم الوقود الأحفوري، للتخفيف من آثار التدهور البيئي.

مؤخرًا، عندما وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرسومًا للانسحاب من المعاهدة الدولية التاريخية لعام 2015، لم يكن الأمر مفاجئًا. كان المجتمع الدولي مستعدًا لهذا القرار، لكنه مع ذلك أثار ردود فعل واسعة.

وقد برر الرئيس قراره بالقول إن هذه الاتفاقيات “لا تعكس قيم بلدنا أو مساهماتنا في تحقيق الأهداف الاقتصادية والبيئية”، مضيفًا أنها “تشكل عبئًا غير عادل على الولايات المتحدة” من حيث التكاليف التي يتحملها دافعو الضرائب الأمريكيون.

وبموجب الاتفاقية، تعهد قادة العالم بمنع ارتفاع درجات الحرارة العالمية بأكثر من 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية في أواخر القرن التاسع عشر.

اختلال التوازن

وقد فعل ترامب ذلك في وقت سابق من عام 2017 – في بداية ولايته الأولى –  واصفًا بأنه اتفاق من جانب واحد.، وذكر أن الولايات المتحدة لن تقوّض صناعاتها بينما تواصل الصين التلوث دون قيود.

لقد تراجع عن أكثر من 100 قاعدة محلية لحماية البيئة، على الرغم أن الولايات المتحدة تُعد ثاني أكبر دولة في العالم من حيث انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وهي الدولة الوحيدة التي انسحبت رسميًا من اتفاق باريس، لتنضم إلى كل من إيران وليبيا واليمن باعتبارها الدول غير الموقعة على الاتفاقية.

الوعي العالمي

ولكن، على الرغم من الطبيعة المثيرة للجدل لهذا القرار وتأثيره المحتمل على مسار تحقيق التوازن البيئي المعروف بـ”صافي الصفر”، فإن المجتمع الدولي أصبح أكثر وعيًا بالعواقب الوخيمة المترتبة على انبعاثات الغازات الدفيئة التي يطلقها البشر في الغلاف الجوي، وأهمية الجهود المبذولة لإزالتها.

ينطبق ذلك أيضًا على الولايات المتحدة، حيث التزمت العديد من الشركات والقطاعات الصناعية بالحد من انبعاثات الكربون والانتقال إلى الطاقة النظيفة. وقد وضعت أكثر من 60% من شركات فورتشن 500 أهدافًا طموحة، حيث تسعى العديد منها إلى تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.

ويشير ذلك إلى أن السياسات الحكومية لها تأثير طفيف على استراتيجيات الشركات، حيث تواصل الشركات إعطاء الأولوية للاستدامة.

علاوة على ذلك، ووفقًا لقواعد الأمم المتحدة، فإن قرار ترامب لن يصبح ساريًا إلا بعد عام من توقيعه، وخلال هذه الفترة، يُتوقع أن يزداد الوعي العالمي حول أهمية مكافحة تغير المناخ.

وفي المرة الأخيرة، استغرقت الولايات المتحدة ثلاث سنوات للخروج رسميًا من اتفاقية باريس، ومع ذلك، عاد خليفته  جو بايدن الانضمام إليها فور توليه منصبه في عام 2021.

وفي الوقت نفسه، نضجت صناعة الطاقة النظيفة وحققت تقدمًا كبيرًا في مجالاتٍ مثل السيارات الكهربائية (EVs) وتقنيات البطاريات.

حقائق وأرقام

في عام 2023، وصلت مبيعات السيارات الكهربائية العالمية إلى 14 مليونًا، أي بزيادة قدرها 35% مقارنة بالعام السابق. وارتفع الطلب على البطاريات إلى أكثر من 750 جيجاوات في الساعة، مدفوعًا بتزايد شعبية السيارات الكهربائية. ويؤكد هذا النمو الرسم البياني التنافسي، حيث يخاطر المصنعون الذين يفشلون في اعتماد آليات الطاقة النظيفة بخسارة حصتهم في السوق.

لذلك، في حين أن إملاءات الرئيس الأمريكي قد تخلق ارتباكًا مؤقتًا على مستوى العالم، فمن غير المرجح أن توقف التحول إلى الطاقة النظيفة. إن المستقبل المستدام مدفوع بالتقدم التكنولوجي والالتزام الجماعي بمكافحة تغير المناخ.

كما أن الفوائد البيئية للطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تحفز الاستثمارات العالمية.

وأصبحت الطاقة الشمسية اليوم أرخص مصدر للكهرباء في التاريخ، بالإضافة إلى ذلك، يشهد سوق السيارات الكهربائية تحولًا هائلاً، حيث أصبح تخزين البطارية أكثر تكلفة وبأسعار معقولة.

احترام حقوق الإنسان

وبما أن تراكم الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي ناتج بشكل رئيسي عن حرق الوقود الأحفوري، فقد تم إعلان عام 2024 الأكثر سخونة عالميًا.

وقد أعلن ترامب نيته إعلان حالة طوارئ وطنية للطاقة وزيادة إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة، وهو ما يتعارض مع الإجماع العلمي العالمي على عدم الشروع في مشاريع جديدة للوقود الأحفوري.

ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن حرق الوقود الأحفوري أدى إلى تفاقم أزمة المناخ العالمية، مما أثر على ملايين الأشخاص حول العالم. وفي ولاية لويزيانا، تعرض السكان لمخاطر صحية تشمل الأضرار الصحية للأمهات والإنجاب والأطفال حديثي الولادة، والسرطان، وأمراض الجهاز التنفسي.

ودعت المنظمة الدولية غير الحكومية الحكومات إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري وضمان انتقال عادل وموضوعي إلى الطاقة المتجددة لحماية الأفراد والمجتمعات.

كما يتوجب على الولايات المتحدة أن تدرك أن تغير المناخ أدى إلى تفاقم حرائق الغابات في ولاية فلوريدا. حيث تسببت الظروف الجوية الأكثر دفئًا وجفافًا في زيادة وتيرة وشدة هذه الحرائق، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار المرتبطة بتغير المناخ.

دعوة إلى التكاتف العالمي

لقد حان الوقت لتعزيز التعاون بين الدول في مواجهة التهديدات التي تعرقل الجهود العالمية الرامية إلى معالجة التدهور البيئي.

ويتعين على ما يقرب من 200 دولة صدقت على اتفاق باريس أن تعيد التأكيد على التزامها بأهدافه والمشاركة في محادثات المناخ العالمية.

وقد حددت كل دولة أهدافها الخاصة بخفض الانبعاثات على أن يتم مراجعتها كل خمس سنوات لرفع طموحاتها. والآن حان الوقت لكي تساعد الدول الغنية الدول الفقيرة من خلال توفير التمويل اللازم للتكيف مع تغير المناخ والتحول إلى الطاقة المتجددة.

ومن الجدير بالذكر أن هدف 1.5 درجة مئوية مقبول عمومًا للإشارة إلى متوسط ​​20 عامًا، وليس لعام واحد فقط. لذلك، رغم أن عام 2024 كان أكثر دفئًا، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تجاوز الحد الذي حددته الاتفاقية.

بل على العكس، يؤكد ذلك أن إدارة تغير المناخ ستظل محورًا رئيسيًا للتنمية المستدامة في المستقبل. ولا ينبغي لنا أن ننظر إلى انسحاب الولايات المتحدة من هذا التعهد إلا باعتباره تقلباً في الاتجاه التصاعدي المستمر نحو تحقيق الأهداف المناخية، لا شيء أقل ولا أكثر.