أسلوب القرآن الكريم في التعبير عن قيم التسامح والحوار الحضاري
Authors: Driss Boukraa
Conference: International Dialogue Of Civilization And Tolerance Conference – Abu Dhabi 2024
Keywords: الكلمات المفاتيح: الأسلوب – المفردات – القرآن الكريم – القيم – التسامح – الحوار الحضاري -الأخوة الإنسانية.
Abstract
تواجه البشرية اليوم تحديات كبيرة، وتعيش في ظل أزمات أمنية واقتصادية واجتماعية وصحية وبيئية، لعل أخطرها حوادث العنف والتطرف بسبب العقيدة الدينية أو المذهبية أو الانتماء الحضاري. وتوجه إلى الديانات السماوية – أحيانا – إشارات الاتهام بإشعال فتيل الصراع والفوضى والتطرف. وهي مجرد ادعاءات لا تمت إلى الحقيقة بصلة لأن الديانات السماوية – في حقيقتها – تدعو إلى الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والتعايش بين الناس على أساس القيم الروحية والإنسانية والاجتماعية المشتركة، واستثمار ذلك في نشر الأخلاق والفضائل العليا التي تدعو إليها الأديان، وتجنب الجدل العقيم. فالإسلام يرسخ العلاقات الطيبة المثمرة بين الشعوب والأمم ويراها ضرورة بشرية، تجنب الحروب والصراعات، وتمكن من تبادل التجارب والثقافات وترسي قواعد الأخوة والسلام. إن الإسلام يحث على الحوار والتعايش والتآخي بين البشر ويسعى إلى التصدي للتطرف الفكري وسلبياته وتعزيز العلاقات الإنسانية وإرساء قواعدها بين أهل الأديان والعقائد المتعددة، وهي قواعد تقوم على احترام الاختلاف، وتقوية المبادئ الإنسانية المشتركة، ومنها قيم السلام، والتعارف المتبادل والأخوة الإنسانية والعيش المشترك، والاعتراف بحرية الإنسان في المعتقد، والتعبير، والممارسة، وإقرار التعددية والاختلاف في الدين واللون والجنس والعرق واللغة، وتجريم إكراه الناس على دين بعينه أو ثقافة محددة، أو فرض أسلوب حضاري لا يقبله الآخر. لقد أقر الإسلام مبدأ المساواة بين البشر، فلا فضل لعربي على عجمي إلاّ بالعمل الصالح، وليس هناك نفس شريفة وأخرى وضيعة، بل كل الناس سواء، وربّما تُفرق بينهم الأحوال، ولكن لا يفرِّق بينهم الشرع والحق، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلكم لآدم وآدم من تراب”. وعالج الإسلام العادات السيئة، وجعل مكانها العدل والمساواة والرحمة، يدلّ على ذلك قول المولى تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوْا الأَمَانَاتِ إِلىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوْا بِالْعَدْلِ﴾ [سورة النساء 58]. وقد أبدع القرآن الكريم في التعبير عن التسامح والحوار والأخوة الإنسانية بمفردات وأساليب متنوعة، وبلغ الغاية في ذلك، حين أنزله الله تعالى باللغة العربية التي تتميز بكثرة مفرداتها، وتنوع حقولها الدلالية، وبالتعبير عن مختلف جوانب الحياة بدقة متناهية. صحيح أن التراث العربي قبل الإسلام قد حفل بنصوص من الشعر والخطابة تصور مشاهد الشجاعة والكرم والعفة، وغيرها، فلما نزل القرآن الكريم أقر القيم الإنسانية – كما عهدها العرب – وقوّم ما كان منها مخالفا للفطرة الإنسانية، وفصّل رسول الله صلى الله عليه وسلم القول في القيم الرفيعة، وتمثلها في سلوكه، فقدم النموذج العملي للأخوة الإنسانية، والكرم، والرحمة، وسائر مظاهر التسامح والتعايش، وشهد له بذلك ربه سبحانه وتعالى فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم 4]. لقد تضمن القرآن الكريم كثيرا من مفردات التسامح والحوار، وتنوع أسلوبه في التعبير بها إلى درجة الإعجاز سواء في الاختيار المناسب للمقام، أو في الجمع بين عناصرها والتمييز الدقيق بين ذراتها الدلالية. وسيسعى هذا البحث إلى الكشف عن أسلوب القرآن الكريم في استعمال تلك المفردات، وإبراز قيمها المعنوية، وأثرها في نشر ثقافة التسامح والحوار بين الأمم، ونبذ الخلاف والصراع المفتعل، وتقديم الصورة الصحيحة لمكانة تلك القيم الإنسانية التي تعزز رابطة الأخوة الإنسانية. ونظرا لأهمية هذا الموضوع في عصرنا الحاضر ارتأيت المشاركة به في هذا المؤتمر العلمي الهام بغية إبراز أسلوب القرآن الكريم في التعبير عن قيم التسامح والحوار الحضاري باعتبارها داعمة لرابطة الأخوة الإنسانية.